يصف هذا التقرير مجتمعًا متقطبًا تتّسع فيه الفجوات أكثر فأكثر: طبقة عليا تتمتع بثراء ماليّ، “هايتكيّ” وعقاريّ وسياسات ضريبية مريحة؛ وطبقة سفليّة يُزجّ بها في مرحلة مبكرة من حياتها في مسارٍ تكثر فيه الأبواب الموصدة. قدرة الدولة على مواجهة وعلاج انعدام المساواة الاجتماعية-الاقتصادية آخذة في تراجع بسبب شح الموارد. إن أردنا خدمات أكثر شمولية ووفرة، علينا أن نزيد من مستوى تمويلها، أي زيادة إيرادات الدولة من الضرائب، خاصة من ذوي المدخولات العالية وأصحاب رؤوس الأموال والممتلكات
يصف هذا التقرير مجتمعًا متقطبًا تتّسع فيه الفجوات أكثر فأكثر: طبقة عليا تتمتع بثراء ماليّ، “هايتكيّ” وعقاريّ وسياسات ضريبية مريحة؛ وطبقة سفليّة يُزجّ بها في مرحلة مبكرة من حياتها في مسارٍ تكثر فيه الأبواب الموصدة. قدرة الدولة على مواجهة وعلاج انعدام المساواة الاجتماعية-الاقتصادية آخذة في تراجع بسبب شح الموارد. إن أردنا خدمات أكثر شمولية ووفرة، علينا أن نزيد من مستوى تمويلها، أي زيادة إيرادات الدولة من الضرائب، خاصة من ذوي المدخولات العالية وأصحاب رؤوس الأموال والممتلكات.
1. جائحة الكورونا وانعدام المساواة: ازداد الأثرياء ثراءًا دون أن يعود هذا بالفائدة على الكثيرين
أدّت جائحة الكورونا إلى تباطؤ في النشاط الاقتصادي، كما هو معلومٌ، وإغلاق عدد كبير من المصالح التجارية واتساع دائرة البطالة، لكننا لاحظنا مع ذلك ازديادًا في الممتلكات المالية بحيازة الجمهور.
بلغ إجمالي الممتلكات المالية بحيازة الجمهور في العام 2019، أي قبل عام واحد من تفشي جائحة الكورونا، 4,061 مليارد شيكل – أعلى مبلغ على الإطلاق حتى ذلك الحين. كان هذا الرقم انعكاسًا لارتفاع بنسبة %10.3 عن العام 2018. استمرت الزيادة بنسبة هذه الممتلكات المالية في العام 2020، العام الأول للجائحة، بـ %8.5، لتبلغ 4,406 مليارد شيكل.
يبدو هذا غير معقول لكن تفسيره في غاية البساطة: لم تنبع هذه الزيادة من إطالة يوم عمل أصحاب الممتلكات المالية بـ %8.5، إنّما لأنّ الأزمة الاقتصادية دفعت بالأفراد والمؤسسات لاستثمار أموالهم في سوق رأس المال وليس في النشاط الاقتصادي الفعلي كالمعدات، الأجهزة أو المباني الصناعية مثلًا.
نذكر بأن غالبية الممتلكات المالية بحيازة الجمهور هي بملكية الشرائح العشرية العليا، خاصة الشرائح المئوية العليا. مع أنّ لغالبية الجمهور ممتلكات مالية، كصناديق التقاعد، صناديق الادخار، حسابات التوفير وما شابه، إلّا أنّ حصّة أصحاب رؤوس الأموال وكبار قطاع الأعمال من مجمل الممتلكات المالية أكبر منها بشكل ملحوظ.
هل يمكن لهذه الزيادة في الممتلكات المالية خلال فترة الكورونا أن تعود بالفائدة علينا جميعًا وليس على مجموعة صغيرة فقط؟
قد تعود الزيادة بثراء الأغنياء في إسرائيل بالفائدة على مجمل السكان لو ازدادت الضرائب التي يدفعونها وفقًا للزيادة بثرائهم، حتى تتمكن الدولة من الاستثمار في الخدمات التي تقدمها لمجمل المواطنين. لكن في حين أنّ الممتلكات المالية بحيازة الجمهور ازدادت في الفترة ما بين 2015 و- 2020 بـ %31.6، اقتصرت الزيادة في مدخولات الدولة من الضرائب على %14.5 فقط.
يدفع الأغنياء جزءًا كبيرًا من الضرائب بالطبع، خاصةً ضريبة الدخل لكونها ضريبة تصاعدية بحيث تزداد قيمة الضريبة مع ازدياد الدخل، لكن نسبة الضريبة من الناتج المحلي في إسرائيل هي من الأدنى بين دول أوروبا الغربية والوسطى الأعضاء في منظمة الـ OECD التي تتراوح نسبة الضريبة فيها بين %40 – %45 من الناتج المحلي الإجمالي، مقابل %29.7 فقط في إسرائيل. ليس هذا كل ما في الأمر، فلا توجد في إسرائيل ضريبة ثروة أو ضريبة ميراث.
2. زادت جائحة الكورونا من اللامساواة في جهاز التربية والتعليم
على الطرف الثاني من السلّم الاجتماعي-الاقتصادي فئات سكانية لا تحظى بالكثير من الفرص لمراكمة الممتلكات لأنّ الأبواب تُوصَد في وجهها منذ مرحلة التعليم الإلزامي. هذه الفئة هي الطلاب والطالبات المتسربين\ات من جهاز التربية والتعليم. تزداد الأمور سوءًا لدى الطلاب المتسربين من المدارس ممن لا يندمجوا في إطار بديل. اليهود الحريديم والبدو في النقب هما الفئتين الأكثر عرضة للتسرّب، لكن بدءًا بلحظة تسرّبهم من جهاز التربية والتعليم تنشأ بينهم فجوة عميقة في كل ما يتعلق بالحلول السياسية: في العام الذي سبق تفشي جائحة الكورونا (2018/2019)، وُجدت حلول تعليمية لـ %27 فقط من الطلاب المتسربين في البلدات البدوية، مقابل %65 من الطلاب تحت إشراف جهات حريدية. تفاقم وضع الطلاب البدو في السنة الدراسية 2019/2020، حيث وجِد إطار بديل لـ %15 منهم فقط.
عدد الطلاب والطالبات المتسربين\ات من الصفوف العليا في جهازيْ التربية والتعليم العبري والعربي ممن لم يندمجوا في إطار بديل بلغ 7,243 في العام الدراسي 2018/19 و- 6,737 في العام الدراسي 2019/20. يعني التسرب فرصًا محدودة أكثر لهم.
يشير التقرير إلى أنّ نسبة الطلاب الذين بدأوا الدراسة في مؤسسات أكاديمية (لا يشمل كليات تأهيل المعلمين) خلال 8 سنوات من إنهاء امتحانات البجروت، في الفترة ما بين الأعوام 2008 – 2020، بقيت كما هي تقريبًا: %26.6 و- %26.3، أي أكثر بقليل من رُبع الأشخاص في هذه الفئة العمرية. إن أضفنا طلاب كليات تأهيل المعلمين إلى هذه المعادلة ترتفع نسبة الطلاب الذي بدأوا الدراسة في كليات أكاديمية في العام 2020 إلى %31.1، وذلك بعد أن بلغت نسبتهم %33.8 في العام 2015.
3. غياب سياسة قطرية للقضاء على ظاهرة انعدام الأمن الغذائي
المجتمع العربي معرّض لخطر انعدام الأمن الغذائي أكثر بأربعة أضعاف من المجتمع اليهودي. العائلات الأحادية أيضًا تستحق مخصصات دعم تعادل ثلاثة أضعاف نسبتها من مجمل السكان. يبيّن بحثٌ أجريَ خلال فترة الكورونا أنّ هناك صعوبة كبيرة في العثور على السكان الذين يعانون من انعدام الأمن الغذائي ما يحول دون تلقيهم للحلول والخدمات المتوفرة.
إحدى الفئات التي تعاني من النقص في الحلول هي الأطفال والشبيبة من الصف الرابع فما فوق. الحلول المتاحة لهذه الفئة العمرية غير شمولية وتركز أساسًا على فئة الأطفال والشبيبة في خطر، وهي لذلك أكثر عرضةً من الأطفال الصغار لمواجهة انعدام الأمن الغذائي. وفقًا لتقدير جهات مهنية، نحو 1,600 مدرسة فوق ابتدائية في إسرائيل تفتقر للحلول لظاهرة انعدام الأمن الغذائي.
4. ينفق الإسرائيليون على الصحة “من جيبهم” أكثر من المعتاد
يهدف قانون التأمين الصحي الرسمي من العام 1994 لإتاحة الخدمات الصحية بالكامل لجميع السكان في إسرائيل، لكن هذه الإتاحة تراجعت في أعقاب الخصخصة التدريجية للجهاز الصحي العام، والتي بدأت قبل نهاية تسعينيات القرن الماضي وما زالت مستمرة حتى الآن. تنعكس الخصخصة في المشاركة الذاتية في تمويل الأدوية والعلاج الطبي وتشجيع شراء تأمينات صحية خاصة إلى جانب التأمين الصحي الرسمي.
المؤشر الذي يعكس تراجع قدرة الجهاز الصحي العام على حماية “جيوب” السكان المحتاجين لخدماته هو نسبة “الدفعات الذاتية” من إجمالي الإنفاق الوطني على الصحة.
تشير منظمة الصحة العالمية إلى أنّه في الدول التي تزيد فيها نسبة الإنفاق الذاتي على الخدمات الصحية عن %15 من إجمالي الإنفاق الوطني على الصحة، من المحتمل أنّ يؤدي الأمر إلى ضائقة مادية لأصحاب الدخل المتدني. تدل الدفعات الذاتية المرتفعة مقابل خدمات ومنتجات صحية على عجز الجهاز الصحي العام عن تلبية احتياجات المؤمّنين. تعتبر النسبة مرتفعة نسبيًا في إسرائيل وتبلغ %21 (2019)، مقابل %15.5 بالمعدل في الاتحاد الأوروبي و%13.9 بالمعدل في الدول الأعضاء في الـ OECD.
5. الانقسام الطبقي في سوق الإسكان في إسرائيل
يتميّز سوق الإسكان في إسرائيل بانقسام طبقي واضح: عائلات يتيح لها مدخولها العالي ورأس مالها الكبير شراء شقة ثانية أو أكثر تدرّ دخلًا إضافيًا من تأجيرها لزيادة رأس مالها، وعائلات لا تملك الشقق وتسكن بإيجار خاص.
معظم المستثمرين العقاريين هم عائلات ذات مدخول عالٍ نسبيًا، بمستوى الشريحة العشرية السابعة فما فوق. في العام 2019 بلغت نسبتهم %9.9 في الشريحة العشرية 7، %12.1 في الشريحة العشرية 8، %16 في الشريحة العشرية 9 و- %33 في الشريحة العشرية العليا. 11.9% من العائلات في الشريحة العشرية العليا امتلكت ثلاث شقق أو أكثر.
يسلط تصنيف المستثمرين العقاريين حسب فئة المنشأ (عائلات تملك شقتين أو أكثر) الضوء على فجوات أعمق: في العام 2019، بلغت نسبتهم %17.3 من العائلات الأشكنازية، مقابل %10.3 من العائلات الشرقية، 9.2% من العائلات الإسرائيلية من “الجيل الثالث” و- %4.4 من عائلات المهاجرين من الاتحاد السوفييتي سابقًا.
خلافًا للوضع في دول غربية عديدة توفر بدائل إسكان عمومي أو اجتماعي، فإنّ معظم من لا يمتلكون شقة في إسرائيل يلجؤون إلى سوق الإيجار الخاص الذي يتميز بغياب شبه تام للتنظيم والمعايير، بالإضافة إلى انعدام الاستقرار والإشراف عليه.