يتناول هذا البحث انعدام الأمن الغذائي لدى المواطنين العرب البدو الذين يعيشون في القرى غير المعترف بها في النقب. استكمالًا للدراسة الاسترشادية التي عقدت السنة الماضية، 2022 – 2023، وبعد تحديث البحث عقب حرب 7.10.23، تم عقد مقابلات مع 21 امرأة من 7 قرى غير معترف بها. تعكس هذه المقابلات الفروق بين القرى المختلفة من ناحية عدد السكان وموقعها الجغرافي. يهدف البحث إلى التعمق في مسألة الأمن الغذائي في القرى وتقديم توصيات من أجل دعم العمل على وضع سياسات متعلقة بهذه القضية.
ينص التعريف الشائع لمصطلح الأمن الغذائي على أنه يتحقق عندما تتوفر لجميع السكان منالية فعلية للغذاء الصحي والمغذِ، والإمكانيات الاقتصادية لتوفيره، من أجل تلبية الاحتياجات الغذائية وعيش حياة صحية ونشيطة. ينبع من ذلك، أنه عندما لا تتواجد جميع هذه الشروط، يسود انعدام الأمن الغذائي. ظاهريًا، يتبين من الأبحاث في البلاد والعالم أن سكان القرى غير المعترف بها معرضون بشكل أكبر لانعدام الأمن الغذائي. تظهر الأبحاث أيضًا مدى ضعف النساء بشكل خاص في القرى غير المعترف بها، فهن فعليًا يعانين من التهميش المضاعف – هذه أكثر فئة مهمشة داخل أضعف فئة سكانية.
تؤكد استنتاجات البحث الذي أجري في العام الماضي أن الافتقار إلى البنية التحتية في القرى غير المعترف بها، خاصة المياه والكهرباء، يؤثر بشكل مباشر على الأمن الغذائي للسكان، ويؤدي إلى انعدام الأمن الغذائي المتأصل. ومن الأفكار الأساسية التي ظهرت في الدراسة هو أن هناك تفاقماً في انعدام الأمن الغذائي في القرى غير المعترف بها عقب أزمة الكورونا، لذلك أوصى في نهاية التقرير بإعداد خطة لحالات الطوارئ، حيث يكون السكان حينها محدودين في قدرتهم على الخروج من القرى، وقيل إن في حالات كهذه قد تسود مجاعة فعلية. وأشار البحث الاستطلاعي إلى ضرورة توسيع البحث النوعي، وفي ضوء ذلك تم إجراء البحث الحالي باستخدام المنهج النوعي، وهو يستند على 21 مقابلة موجهة جزئيًا في سبع قرى غير معترف بها.
يتناول فصل الاستنتاجات الأول تداعيات الحرب منذ 7.10.23 على وضع الأمن الغذائي في القرى غير المعترف بها. بدايةً، يظهر أن في هذه القرى يوجد ما يشبه نظام تقنين الغذاء والذي يتم تفعيله تلقائيًا أثناء أي أزمة تؤدي إلى انعزالها. يتخلل هذا النظام حفظ الغذاء بأساليب تقليدية كالتجفيف، وشراء مخزون من المنتجات الأساسية. ثانيًا، أغلقت في بداية الحرب العديد من أماكن العمل، بالأخص بمجال السياحة وفي منطقة غلاف غزة، التي تشكل مصدر رزق مهم لسكان القرى. أثّر فقدان الدخل مباشرةً على توفير الغذاء بشكل منتظم في البيوت. ثالثًا، ربطت المشاركات في البحث بين الحرب وارتفاع غلاء المعيشة، ما فرض تقليص تنوع الغذاء، بالأخص المنتجات الطازجة. ربما لم يؤد هذا إلى مجاعة، لكن تداعيات الوضع الحالي ستؤثر على الأمن الغذائي وستتمثل بمشاكل صحية على المدى البعيد.
يتناول الفصل الثاني قياس نسبة الأمن الغذائي في القرى غير المعترف بها. تدل استنتاجات البحث أن الإدلاء برقم معين من قبل سكان القرى عند التطرق لتقييم نسبة الأمن الغذائي بنظرهم هو بمثابة اعتراف بالواقع وهذا أمر لا يسمح به الخجل، وأنه يتم النظر إلى الحرمان من منظور مختلف مقارنة بغالبية السكان في إسرائيل. في بعض المقابلات، تم وصف الحياة المتواضعة المعتمدة على المواد الغذائية الأساسية المتوفرة في الطبيعة على أنها جزء من التراث البدوي، وحتى على أنها حياة صحية. الأمن الغذائي هو مسألة بناء اجتماعي ووجهة نظر، الأمر الذي يتطلب إعادة صياغة تعريفه بالسياق المحلي. عند طرح السؤال المعتاد في استبيانات الأمن الغذائي: “هل تخطيت أي وجبة خلال الأسبوعين الأخيرين؟” على الأرجح أن تكون الإجابة “كلا”، لأن القليل من زيت الزيتون في رغيف خبز بسيط هو بمثابة وجبة.
يتناول فصل الاستنتاجات الأخير عدة قضايا تتعلق بتقسيم المهام بحسب الأدوار الجندرية في سياق الأمن الغذائي. يظهر البحث أنه غالبًا ما يسكن أقرباء الزوج مع العائلة النووية، ما يؤدي إلى مرونة حدود تعريف الأسرة المعيشية. بالنسبة للعلاقة بين الجنسين داخل البيت في القرى غير المعترف بها، يظهر أنها مبنية، غالبًا، على نظام أبوي محافظ، يفرض على الجنسين أدوارًا واضحة وثابتة بما يتعلق بالأمن الغذائي. يكون الرجل مسؤولًا عن كسب الرزق والتنقل، بينما تكون المرأة مسؤولة عن النظام في البيت – رعاية المنزل وأبناء العائلة، من ناحية الغذاء أيضًا. هنالك عائلات صرحت أن الأب يشغل فيها دورًا فعالًا أكثر داخل المنزل، وفي بعض الأماكن والعائلات تشغل المرأة الأدوار التقليدية وفي نفس الوقت تعمل في وظيفة أو تتعلم في معهد للتعليم العالي. تكون الأم مسؤولة أيضًا عن تربية الأولاد والبنات عن أدوارهم الجندرية في العائلة، حيث يشغلون عند بلوغهم/ن أدوار الأهل، بحسب جنسهم/ن.
اختتمنا التقرير بتوصيات للسياسات ولإجراء بحوث مكملة. بما يتعلق بالبحوث، يوصى بالتفكير بمعيار يتوافق مع ثقافة القرى والحياة اليومية الشاقة هناك، بدلًا من نقل نفس الأسئلة من الاستبيانات المعتادة في المجال حرفيًا. إضافة إلى ذلك، يفضل إعادة صياغة المعايير لتلائم مفاهيم القرى، وضبط نصوص الأسئلة من الناحية الجندرية كي لا ينظر إليها على أنها مسيئة.
بالنسبة للسياسات أثناء حالات الطوارئ، يتوجب وضع حل مستدام، يحمي القرى من خطر المجاعة. يوصى بتكثيف إمدادات الغذاء المركزة في أوقات الطوارئ. في الفترات العادية، يوصى بأخذ التعريف الذاتي للأسرة المعيشية وبالتحديد من يعولون عليه فعليًا، بعين الاعتبار. بالإضافة إلى ذلك، يفضل تكثيف محاولات دمج النساء البدويات من القرى في وظائف مستقرة تلائم عاداتهن، وزيادة العمل على موضوع الأمن الغذائي في صفوف الثانوية، حيث يشارك الأولاد والبنات بشكل فعال في إدارة الأسرة المعيشية.