إنتاجية العمل المنخفضة نابعة، في جملة الأمور، من سياسة خفض تكاليف العمل
الاقتصاديون، المسؤولون ومنظمة الـ OECD يتذمّرون كثيرًا من إنتاجية العمل المنخفضة لدى العمال الإسرائيليين. باستثناء الصناعات التصديرية التي يتصدّرها قطاع الهايتك، معدّل إنتاجية العمل في إسرائيل هو من بين المعدلات الأدنى في الدول الأعضاء في المنظّمة. هناك تفسيرات عديدة لذلك: مستوى رأس مال منخفض للعامل، مصروفات أمنية مرتفعة، نسبة مرتفعة من العمال الشباب عديمي الخبرة، نشاط اقتصادي “في السوق السوداء” وغير ذلك.
ينشر مركز أدفا في الأيام القريبة تقريره السنوي، العمّال، المشّغلون وتقسيم كعكة الإيرادات الوطنية، 2015 ويقدّم تفسيرًا جوهريًا لذلك: السياسات المتعاقبة الداعمة للمشغّلين بواسطة خفض تكاليف العمل. يدّعي التقرير، وهو من تأليف ج. شلومو سفيرسكي، إيتي كونور-آتياس، المحامية نوغا دغان-بوزغالو وروتيم زلينغر، أنّ هذه السياسة المتّبعة منذ وضعت خطة الطوارئ لتحقيق الاستقرار في الاقتصاد في عام 1985 هي قصة “نجاح”. تكاليف العمل انخفضت فعلا، إلا أنّ الأمر تحقّق على حساب قطاع الاقتصاد بأكمله.
أ. الإنتاجية المنخفضة وخفض تكاليف العمل
المعطيات التالية تدل على هذا “النجاح”:
• “تتميّز” إسرائيل بنسبة عالية من الأجيرين الذين يتلقون أجورًا منخفضة (حتى 2/3 من متوسط الأجور في السوق) -وهي من أعلى النسب في دول الـ OECD. الأجور المنخفضة تعكس قلة الاستثمار في العاملات والعمّال-في التأهيل المهني، ظروف التشغيل، المكننة، ممّا يؤدي إلى انخفاض الإنتاجية.
• نسبة مشاركة النساء الإسرائيليات في سوق العمل ازدادت في العقود الأخيرة-إلا أنّ 36% منهن تقاضين في عام 2014 أجورًا منخفضة (حتى 2/3 متوسّط الأجور في السوق) -يشير هذا المعطى إلى الوظائف التي لا تتطلّب شهادات دراسية أو تأهيلا مهنيًا سابقًا، ممّا يؤدي إلى انخفاض الإنتاجية.
• “تتميّز” إسرائيل بنسبة عالية من العمال والعاملات الأجانب، الذين يعملون مقابل أجر منخفض وبظروف غير لائقة، حيث يشكلّون في العديد من الحالات بديلا للآلات والمكننة التي تزيد من إنتاجية العمل.
ب. تقليل حصة العمّال من الإيرادات الوطنية
في العقود الأخيرة، انخفضت حصة العمّال، الأجيرين والمستقلين على حد سواء، من كعكة الإيرادات الوطنية. في عام 2015، بلغت النسبة 57%-وهو المعدّل الأدنى منذ عام 2000، حيث بلغ حينها 65%. حدث هذا المسار في معظم الدول الأعضاء في الـ OECD، إلا أن ذلك لا يشكّل مصدر تعزية، لأن الظروف التي يرتكز عليها كل مسار تختلف من دولة لأخرى وكل دولة تتعامل مع العواقب والآثار بشكل منفصل. في كل مكان، سيلحق ذلك ضررًا طويل الأمد بإنتاجية العمل: العاملين والعاملات “منخفضي التكلفة” لا يحتاجون إلى الإرشاد والتأهيل المهني، كما وأنّهم لا يستطيعون الاستثمار في تعليم أبنائهم، خاصة عندما ترتكز سياسة الميزانية على تحويل جزء كبير من العبء التمويلي للخدمات الاجتماعية من الدولة إلى القطاع المنزلي. كل هذا يؤدي حتمًا إلى انخفاض الإنتاجية -والتي ستكون أكثر انخفاضًا لدى الأجيال القادمة.
للأسف، لا ينشر المكتب المركزي للإحصاء معطيات حول كيفية تقسيم كعكة الإيرادات الوطنية بحسب الشريحة العشرية. من المرجّح أن تدل هذه المعطيات على مزيد من الانكماش في حصة العمال من كعكة الإيرادات الوطنية، حيث أن فئة “العمال” تشمل أيضًا ذوي الأجور المرتفعة جدًا، مثل كبار المدراء في الشركات العمومية، الذين ارتفعت رواتبهم كثيرًا في العقد الأخير. المعطيات التي تنشرها دائرة إيرادات الدولة في وزارة المالية، والتي تستند إلى نموذج الضريبة المعتمد في الدائرة، تشير إلى أنّه في الفترة ما بين 2007 و2015، ارتفعت أجور دافعي الضرائب المنتمين للشريحة المئوية العليا بـ 7%-من 130.6 ألف شاقل إلى 139.5 ألف شاقل شهريًا (حسب تسعيرة 2015). في نفس الوقت، لم يطرأ أي تغيير ملحوظ على متوسّط الأجور في السوق. عام 2015، شكّلت إيرادات الشريحة المئوية العليا 13% من إجمالي إيرادات دافعي الضرائب في إسرائيل.
ج. العمال الأجانب-عنصر ثابت في القوى العاملة الإسرائيلية
منذ عام 1967 يشكّل العمال القادمون من مناطق السلطة الفلسطينية جزءًا لا يتجزأ من القوى العاملة الإسرائيلية، ومنذ الانتفاضة الثانية أدرج ضمن هذه الفئة “العمال الأجانب”. في كلتا الحالتين، التصور الشائع هو أنّ هذه الظواهر مؤقتة: إلا أنّ المعطيات المعروضة في هذه الوثيقة تشير إلى أنّهم عنصر هام وثابت في القوى العاملة الإسرائيلية. دولة إسرائيل تنكر ذلك وتستمر في مناهضة هذه الظاهرة من ناحية، وتعزيزها من ناحية أخرى. ترفض دولة إسرائيل الاختيار بين الإمكانيتين التاليتين:
الأولى: الاعتراف بأهمية العمال غير الإسرائيليين في الاقتصاد الإسرائيلي، ومنحهم حقوقًا ومكانة متساوية لتلك التي يحظى بها العمال الإسرائيليون.
الثانية: الاستثمار في خطة طويلة الأمد للتعزيز التكنولوجي لقطاعي البناء والزراعة للتقليل من ارتكازهما على العمالة الرخيصة وبناء منظومة داعمة بديلة في ظروف تتيح المجال لتشغيل عمال إسرائيليين.
بالنسبة للعمال الفلسطينيين: تشغيلهم يخدم المشغّلين الإسرائيليين للمدى القريب، وذلك لأنّهم يحصلون على قوى عاملة متوفرة ورخيصة، كما وبخدم الاقتصاد الفلسطيني، الذي يستفيد من الأجور التي يتلقونها والتي شكّلت في العام 2013 نسبة 12.3% من الناتج المحلي الإجمالي للسلطة الفلسطينية. ولكن على المدى البعيد، سيلحق هذا الوضع ضررًا بكلا الطرفين: فهو يضر بقدرة الفلسطينيين على تطوير اقتصاد مستقل والحفاظ عليه، كما ويضر بالعمال المحليين وبإنتاجية الاقتصاد في إسرائيل، بسبب تجذّر ظواهر نقص التأهيل المهني والأجور المنخفضة.
كبار المدراء هم الوحيدون الذين يتميزون بإنتاجية عالية؟
يبدو أنّ كبار المدراء في إسرائيل هم الوحيدين الذين يتميزون بإنتاجية عالية، إذا قيمّنا ذلك حسب حجم أجورهم، التي ارتفعت بين العامين 2014 و2015، خاصة في الجزء الذي يرتكز على الأسهم. تقاضى مدراء شركات “تل أبيب 100”، بالمعدّل، دخلا سنويًا بقيمة 5.1 مليون شاقل في السنة، أو 425 ألف شاقل في الشهر-أعلى بـ 44 مرة من متوسط الأجور (عام 2015، بلغ متوسط الأجور 9592 شاقل)، وأعلى بـ 91 مرة من الحد الأدنى للأجور (4650 شاقل).
تغيير التوجّه الذي يسعى لخفض تكاليف العمل
يفيد مؤلّفو التقرير أنّه بانتهاء ثلاثة عقود تم فيها خفض تكاليف العمل، حان الوقت لتغيير الاتجاه.
زيادة إنتاجية العمل في إسرائيل منوطة بزيادة الاستثمار في الاقتصاد الحقيقي (بدلا من الموارد المالية مثلا) وفي تحقيق تسوية سياسية إقليمية. ولكنها تتطلب أيضًا الانتقال إلى سياسة أجور سخية ومتكافئة من جهة، وزيادة مساهمة الدولة في تمويل الخدمات الاجتماعية، بما في ذلك التعليم والتأهيل المهني، من جهة أخرى.