الأبحاث

الخِيار الشعبي للسكن: السكن الشعبي العام كحلٍّ لأزمة السكن في إسرائيل

تطرح الوثيقة اقتراحًا لمواجهة أزمة السكن من خلال إنشاء خِيار شعبي يقوم على مبادرة حكومية لبناء شقق سكن مكرَّسة للإيجار لأمد طويل وبأسعار متاحة للجمهور الواسع

في ضوء محدوديّة خطتَي الإسكان اللتين طرحتهما الحكومة “سعر للساكن” و”شقة للإيجار”، فإننا نقترح بأن تحيد الحكومة عن اعتمادها الحصري على مبادئ ‘السوق الحر’ وأن تُطْلق خطة بناء حكومية لإقامة شقق للإيجار طويل الأمد، بملكية القطاع العام وبأسعار تقل عن أسعار السوق.

بكلمات أخرى، نحن نقترح إحداث توسيع مكثَّف وتحسين جوهري لمجال السكن الشعبي، بحيث تستفيد منه الطبقة المتوسطة أيضا، ولا سيما الأزواج الشابة الراغبة بالحصول على بيت يأويها في ظروف توفّر لعائلاتها أطرَ تعليمٍ جيد وعملًا يتيح لها العيش الكريم. 

يستند اقتراحنا على تقييمنا بأن الاتّجاهات الاقتصادية والاجتماعية التي آلت إلى أزمة السكن الحالية، والتي تقودها قوى سوق قوية مثل “المستثمِرين”، سوف تستمر في المستقبل المنظور أيضا، ما يعني أن نموذج الإسكان في شقة مملوكة – النموذج المهيمن منذ إقامة الدولة، لم يعد ممكنا اعتماده أساسا وحيدا لسياسة الإسكان العام.

فيما يلي الدُّفوع والخلاصات الأساسية التي تتضمّنها الوثيقة:

  1. يقوم الافتراض السائد في الكثير من البلدان على أن الإنفاق على السكن يجب ألا يتجاوز ال-30% من مجمل الدخل المتاح للأسرة. الإنفاق، في حالة تجاوزه النسبةَ المذكورة، قد يقود إلى المس بقدرة الأسرة على تمويل احتياجاتها المعيشيّة الأساسية، ويزيد من المخاطر الاقتصادية التي تقف في وجهها، وقد يُلحِق ضررا بالغا بمستوى حياتها.
  2. من الناحية العملية، فإن العديد من الأسر في إسرائيل، سواء تلك التي تقيم في بيوت مستأجَرة، أم تلك التي تسدّد قروض الرهن العقاري (المَشكنتا) عن الشقة التي تملكها، تنفق مبالغ تتجاوز النسبة المذكورة: ففي عام 2014 مثلا، بلغت النفقة على السكن لدى 33.5% من مجمل الأسر أكثر من 30% من دخلها. تشمل هذه المصروفات دفعات استئجار الشقة أو سداد المشكنتا، فضلا عن نفقات السكن ذات الصلة، بما في ذلك فواتير الخدمات البيتية، وصيانة المنزل، وضريبة البلدية – الأرنونا.
  3. الوضع بين الأسر المستأجرة أسوأ من ذلك، ففي عام 2015 مثلا بلغ متوسط الإنفاق لدى الفئات العشرية الأدنى الخمس للأسر التي تسكن في بيوت مستأجرة أكثر من 30% من دخلها، عِلْمًا بأن متوسط الإنفاق على السكن المستأجَر لدى الفئة العشرية الدنيا بلغ 62% من دخلها الصافي، فيما بلغ متوسط الإنفاق لدى الفئات العشرية الأربع التالية 45%، 37%، 35%، و-33% على التوالي.
  4. يُستدَلّ من تقييم أجريناه، وبكل وضوح، بأن اقتناء الشقق اليومَ في مناطق الطلب هو امتياز محفوظ للفئات العشرية الأعلى فقط. في واقع الأمر فإن شراء الشقق في مناطق الطلب لقرابة 60% من سكان إسرائيل، دون أن يتوفّر بجعبتها رأس مال ذاتي يزيد عن 25% من سعر الشقة، يقود إلى إلحاق الضرر بمستوى معيشتها نتيجة النفقة المرتفعة التي يفرضها سداد قرض المشكنتا.
  5. توصيتنا باعتماد خِيار السكن الشعبي عوضًا عن مختلف نماذج الإيجار الخاص تستند إلى جملة من الوقائع، ومنها المعطيات التي تبيّن بأن سوق الإيجار الخاص هو في المقام الأول وسيلة لنقل الرأسمال من الشرائح ذات الدخل المنخفض إلى جيوب الشرائح الميسورة؛ لقد تحوّلت هذه الوسيلة إلى عامل هام في صياغة خريطة عدم المساواة في المجتمع. 71% من مجمل المبالغ التي يدفعها المستأجرون لأصحاب الشقق تصل إلى جيوب الفئات العشرية الأعلى. في عام 2015 اجترفت الفئة العشرية العليا وحدها حوالي 6.3 مليار شيكل عن إيجارها الشققَ التي تملكها، ما شكّل نحو 45% من مجمل الدخل الذي وصل إلى جيوب الأسر التي أجّرت شققا تملكها.
  6. النموذج الذي نقترحه، والذي يقوم بالأساس على إحداث توسيع مكثّف وتحسين جوهري في مجال الإسكان الشعبي، يستند إلى تجربة بلدان عدة، ولا سيما في أوروبا الغربية. تحتل اليومَ إسرائيل بمقياس عالمي مرتبةً منخفضة جدا في كل ما يتعلّق بالميزانيات المخصَّصة للسكن الشعبي: ففي عام 2015، قرابة 2% فقط من الأسر في إسرائيل أقامت في شقق شعبية، مقارنةً بعدة دول أوروبية، ومنها هولاندا والنمسا والسويد وبريطانيا وفرنسا، التي كان حجم الإسكان الشعبي فيها أكبر بكثير، وتراوح بين 17% و-32% من مجمل الأسر.
  7. استنادًا إلى الخبرة المتراكمة في الدول الأوروبية بكل ما يتعلّق بالسكن الشعبي على نطاق واسع، واستناداً إلى معدلات بناء حقيقية، نقترح بأن تقوم الحكومة بإنشاء بنك من حوالي 45,000 شقة شعبية على مدى نحو 10 سنوات. يُنشأ هذا البنك ويُجدَّد بحيث يحافظ على تشكيله قرابة نصف سوق الإيجار وحوالي 15% لغاية 20% من وحدات السكن في إسرائيل.
  8. طبقا للنموذج الذي نقترحه، تظل الشقق ذات ملكية عامة وتبقى جزءًا من بنك الشقق المخصَّصة للإيجار الشعبي، ولا تُعرَض مع مرور الزمن للبيع بملكية خاصة. إلى ذلك، يخضع رصد المساكن الشعبية لمعايير موسَّعة توفّر الاستحقاق للأسر غير المالكة لشقة من مجمل السكان، حتى إن كنا نفترض بأن معظم الطلب سوف يصل من الأسر المحسوبة على الفئات العشرية السِتّ المنخفضة.

إننا نقترح بأن تتحوّل الحكومة إلى طرف يعمل مباشرة في سوق الإسكان بهدف إرساء خِيار للإسكان الشعبي يقوم على الإيجار لأمد طويل، خِيار يكون متوفّرًا جنبًا إلى جنب مع خِيار الملكية وخِيار الإيجار الخاص. طبقا لاقتراحنا، يكون خيار الإيجار الشعبي بمثابة حل للسكن لمَن يتعذّر عليه اقتناء شقة أو لا يرغب بذلك، ويكون في الوقت نفسه عاملا يخفض أسعار سوق الإيجار عامة.