لم يحِن الوقت بعدُ لرفع سن تقاعد النساء

أقل الحجج إقناعًا لتبرير رفع سن تقاعد النساء هو الادعاء بأن المساواة الرسمية – أي القوانين والقواعد والتسويات الاجتماعية المتكافئة للرجال والنساء – كفيلة بتحقيق المساواة الحقيقية. فطبقا لهذه المقولة، إذا كان سن تقاعد الرجال 67 عاما، من الأحرى مساواته مع سن تقاعد النساء – أولا برفع سن تقاعدهن من 62 إلى 64 (وهو الموضوع … متابعة قراءة لم يحِن الوقت بعدُ لرفع سن تقاعد النساء

لتحميل الملف الكامل

أقل الحجج إقناعًا لتبرير رفع سن تقاعد النساء هو الادعاء بأن المساواة الرسمية – أي القوانين والقواعد والتسويات الاجتماعية المتكافئة للرجال والنساء – كفيلة بتحقيق المساواة الحقيقية. فطبقا لهذه المقولة، إذا كان سن تقاعد الرجال 67 عاما، من الأحرى مساواته مع سن تقاعد النساء – أولا برفع سن تقاعدهن من 62 إلى 64 (وهو الموضوع المعروض على اللجنة العامة التي من المقرر أن تقدّم توصياتها في نهاية حزيران 2011) ومن ثم رفعه إلى سن 67. ذلكم، إذن، هو السبيل لتحقيق المساواة، وفقا لمن يسوق الادعاء أعلاه.

 

لقد صار جليًّا أنه حتى في ظل المساواة الرسمية، لا تتيح الفروق القائمة بين الرجال والنساء في المناصب والوظائف الاجتماعية تحقيق المساواة الجوهرية، بل إنها تبقي أحيانا اللامساواة القائمة.

 

لا يمكن مساواة سن تقاعد الرجال والنساء قبل مساواة أجر النساء لأجر الرجال وقبل تحقيق تماثل أنماط عمل النساء والرجال.

 

في المقابل، يبدو أن الحجة الأكثر إقناعًا في تسويق رفع سن تقاعد النساء هي تلك القائلة إن من شأن هذه الخطوة زيادة اشتراك النساء في سن الخمسين والستين والسبعين في سوق العمل.

 

الرغبة في زيادة نسبة اشتراك النساء في سوق العمل تستند بالدرجة الأولى إلى الوضع الراهن للقوة العاملة المدنية الذي تشكّل فيه النساء في سن 55-64 نسبة 53% (حسب معطيات 2009)، أي أدنى منها لدى الرجال في الفئة العمرية ذاتها – 72%؛ وهي تستند كذلك إلى أن اشتراك النساء البالغات سن 65 فأكثر في سوق العمل يشكّل نسبة 6.5% (حسب معطيات 2009)، أي أدنى منها لدى الرجال في الفئة العمرية ذاتها – 17.8%. ثم إن جمع عدد أكبر من سنوات العمل يساهم في رفع كلٍّ من مخصصات الشيخوخة (حتى حدود معينة) والتقاعد بين النساء، ما قد يلغي الحاجة إلى دفع مخصصات تأمين الدخل لبعض اقتصادات الأسر في السنوات التي تسبق التقاعد، وتلغي الحاجة كذلك إلى دفع مبالغ استكمال الدخل زيادةً على مخصصات الشيخوخة بعد سن التقاعد. إلى ذلك، فإن بقاء النساء في سوق العمل لفترة أطول من شأنه توفير أموال كثيرة تنفقها الدولة على كلٍّ من مخصصات الشيخوخة واستكمال الدخل على مخصصات الشيخوخة، ومخصصات تأمين الدخل.

 

بالرغم من ازدياد اشتراك النساء في سوق العمل، فإن قرابة نصف النساء (49.2%) في سن 61 لا تعمل.

 

تبيّن مراجعة بيانات التشغيل، التي أصدرتها الدائرة المركزية للإحصاء، الصورة التالية فيما يتعلق بمعدل اشتراك النساء في سوق العمل: منذ رفع سن تقاعد النساء من 60 إلى 62 عام 2004، ارتفع معدل اشتراك النساء من الفئة العمرية 55-64 من 42.3% عام 2003 إلى 53% عام 2009. أما معدل اشتراك النساء البالغات سن 65 فأكثر – ارتفع من 5% عام 2003 إلى 6.5% عام 2009.

 

مع ذلك، ينبغي الإشارة إلى أن نزعة ارتفاع معدل اشتراك النساء البالغات الخمسين وما فوق في سوق العمل بدأت قبل رفع سن التقاعد، كما يُستدَل من الجدول والرسم أدناه، اللذين يبيّنان اشتراك النساء في سوق العمل على امتداد فترة أطول – من عام 1995 حتى عام 2009. يمكن ملاحظة أن الارتفاع الأساسي بين النساء في سن 50 كان قد حدث في التسعينات. أما بين النساء البالغات سن 54، فقد كان الارتفاع مشابها في كلا الفترتين – قبل تغيير سن التقاعد وبعده. فيما طرأ الارتفاع الأساسي وسط النساء البالغات 60 و-61 عاما، في أعقاب رفع سن التقاعد (الذي سرى مفعوله على نحو تدريجي وتم استيفاءه في عام 2006). لا تتيح البيانات، بحد ذاتها، معرفة سبب ازدياد حجم التشغيل – هل هو تغيير سن التقاعد، أم تراجع وضع النساء الاقتصادي (على أثر الضربات الاقتصادية في الفترة 2003-2004)، أم هو أمر آخر. كما، وكيف يمكن فهم معنى الفئة المسماة “مشتركات في سوق العمل”، إذا كانت هذه تضم كل امرأة بلّغت المستطلِع أنها في وقت معيّن عملت أو بحثت عن عمل.

 

معدل اشتراك النساء في القوة العاملة المدنية حسب السن والسنة

 بالنسبة المئوية

1995 1999 2001 2003 2006 2009
البالغات 50 57.9

(البالغات 50-54)

68.4 68.1 70.5 69.5 72.0
البالغات 54 61.9 60.3 64.4 62.3 69.3
البالغات 60 21.4

(البالغات 60-64)

27.4 35.0 34.9 48.4 55.3
البالغات 61 25.5 27.0 31.3 34.5 50.8

من: معالجة أعدّها مركز أدڤا لمسوح القوة العاملة التي أجرتها الدائرة المركزية للإحصاء في الأعوام 1995، 1999، 2001 (لفئات بأحجام مختلفة)، 2003، 2006، 2009.

 

إذن، صحيح أن رفع سن التقاعد أدى إلى أن تبقى النساء في سوق العمل لفترة أطول، لكن نصف النساء في سن 61 لا يعمل. إنهن في الوقت الحاضر أيضا لا يملكن مصدرَ دخلٍ مستقلا، باستثناء أولئك اللواتي يخضع مشغّلوهنّ لاتفاقيات جماعية تقضي بدفع راتب تقاعدي بعد التقاعد المبكّر. وعليه، فللنساء اللواتي غادرن سوق العمل دون الحصول على راتب تقاعد مبكّر، يعني رفع سن التقاعد من سن 62 إلى 64 أنهن سوف يقضين سنتين إضافيتين دون أجر ودون مخصصات شيخوخة وراتب تقاعدي.

 

لا يعود سبب انخفاض معدل اشتراك النساء في سوق العمل مع ازدياد أعمارهن لرغبتهن هنّ، بل لقرار مشغّليهنّ. ففي فترة التقليصات، أول من يقع ضحية للتسريح هم قدامى العاملين الذين يتلقون عادة رواتب أعلى بفضل أقدميتهم. وينطبق الأمر على النساء والرجال على حد سواء.

يُعتبر الشخص في سنه ال-50 بالغًا بالعمر لسوق العمل. لذلك يجد المسرَّحون من عملهم، الرجال والنساء، مشقة في الحصول على عمل جديد. بل إن الأمر أكثر صعوبة بالنسبة للنساء نتيجة الصلة بين الجندر والمظهر الخارجي. ففي كثير من مواقع العمل مثلا، لا سيما في مجال السكرتارية والبيع، ثمّة مطلب غير مكتوب للمرشّحين للعمل يتمثّل في حُسن المظهر الخارجي وشبابه، مع العلم أن الرجال لا يواجهون مثل هذا التحدّي.

 

طالما أن النساء يواجهن صعوبات أكبر في إيجاد عمل في سن متقدّمة، من الأحرى أن يظل الفارق في سن التقاعد بين الرجال والنساء على حاله وعدم رفع سن تقاعد النساء.

 

في ظل ارتفاع متوسط الحياة في البلاد ومتغيّرات سوق العمل، لا بد من إعادة النظر في تحديد سن التقاعد للجنسين. برأينا، للنساء والرجال من فئة الياقات البيضاء يُستحسَن تحديد سن أكبر للتقاعد قياسًا بنظيره لفئة أصحاب الياقات الزرقاء. فكثيرون من أصحاب المهن الحرة يواصلون العمل حتى بعد سن التقاعد.

وحيث أن الفروق الكبرى في سوق العمل تكمن في الفروق بين طبيعة العمل والمواقع التي يعمل فيها النساء والرجال من الطبقات المختلفة، يجب الأخذ بالحسبان بعامل إضافي – الاختلاف في متوسط العمر في الطبقات المختلفة: فهو أكبر بين أصحاب الدخل العالي وأقل بين أصحاب الدخل المنخفض. من هنا، فإن رفع سن التقاعد يشكّل تمييزا ضد أصحاب الدخل المنخفض لأنه يقتصّ من عدد الشهور التي يحصلون فيها على مخصصات الشيخوخة والتقاعد.