تواصِل ثمار النمو تخلُّلَها إلى أعلى أكثر منها إلى أسفل
المساواة والعدالة الاجتماعية ليستا من أولويّات الدولة. بكل ما يتعلّق بالنهوض بمستوى حياة عموم المواطنين الإسرائيليين، تعوّل الحكومة على النمو الاقتصادي. لكن ثمار النمو غلغلت، ولا تزال، إلى الأعلى أكثر منه إلى الأسفل. لذلك، لا بد من أن تتدخّل الدولة بصورة فعّالة.
شهدت الأجور في السنتَين المنصرمتَين – الثلاث المنصرمة ارتفاعا كان من جملة أسبابه اتفاقياتُ الأجور التي أبرمتها الحكومة مع المعلّمات والمعلّمين (“أفق جديد” و”الشجاعة للتغيير”) ومع موظّفي الدولة، ورفعُ الحد الأدنى للأجور كذلك.
مع ذلك، فإن الفجوات بين المداخيل ظلّت كبيرة جدا. في 2015 بلغ إجمالي المدخول المالي لاقتصادات البيوت التي يقف في رأسها أجير من الفئة العشرية الدنيا 4,644 شيكل شهريًّا، فيما بلغ المدخول المقابل في الفئة العشرية العليا 58,293 شيكل. يُذْكّر بأن الفئتَين العشريتَين العُليتَين – التاسعة والعاشرة حظيتا ب-43.9% من مجمل مدخولات اقتصادات البيوت، فيما تقاسمت الفئات العشرية الثماني الأخرى بقية الحصة البالغة 56.1%. بدوره، هناك فجوات في الدخل حتى داخل الفئة العشرية العليا – بين الفئة المئوية العليا وسائر أجزاء الفئة العشرية.
تكمن المشكلة في أن حكومات إسرائيل قلّصت شيئا فشيئا قدراتها على الفعل، ولا سيما قدراتها المالية. وكانت النتيجة تقلّص وانكماش الخدمات الاجتماعية التي توفّرها الدولة: خدمات التعليم، التعليم العالي، الصحة، الرفاهية والأمان الاجتماعي. إجمالي النفقات الحكومية (بما في ذلك نفقات السلطات المحلية) التي شكّلت عام 2014 زهاء 41.2% من الناتج المحلي الإجمالي، يضع إسرائيل في صف واحد إلى جانب بلدان أوروبا الشرقية وغيرها من الدول التي تمتاز تقليديًّا بتدنّي نفقات حكوماتها، كنيو زيلانده وكندا (اللتين تصرفان أقل من إسرائيل على قضايا الأمن)”.
“علاوة على ذلك، تركّز حكومات إسرائيل جلّ اهتمامها على القضايا السياسية والأمنية، وفي مقدمتها النزاع مع الفلسطينيين الذي يجد تعبيرا له في مواجهات عنيفة متتالية. لا تعتمد حكومات إسرائيل نهج التخطيط طويل الأجل الذي يضع نصب عينيه مهمة رفع نسبة الاستحقاق لشهادة البجروت، وتوسيع دائرة الطلاب الجامعيين، أو ضم مجمل المواطنين في إسرائيل إلى ‘أُمّة الصناعات الناشئة'”.
نورِد فيما يلي بعض الخلاصات التي يتوقّف التقرير عندها:
- العمل والأجر: مدير إحدى شركات البورصة الكبرى يربح ما يعادل 91 ضعف الحد الأدنى للأجور
- تواصِل ثمار النمو تخلُّلَها إلى أعلى أكثر منها إلى أسفل. ينعكس الأمر بصورة بارزة في أجور كبار المديرين: ففي عام 2015 ارتفع مدخول كبار المديرين في الشركات الكبرى عن مستواه في 2014. ويتبدّى الارتفاع الأكثر بروزًا في مركِّبات المدخول من غير الراتب – كالمدفوعات القائمة على أرباح البورصة – فيما لم يشهد الراتب ورسوم الإدارة والمنح تغيُّرًا ذا شأن.
- المديرون العامون الذين يقفون في رأس الشركات المئة الكبرى التي تُتداوَل أسهمها في بورصة تل أبيب (“مؤشِّر تل أبيب 100”) حصلوا بالمتوسط على مبلغ سنوي إجمالي زهاء 5.1 مليون شيكل، أي ما يعادل 425 ألف شيكل شهريًّا.
- بلغ متوسط الدخل السنوي لأصحاب المراكز الأرفع الخمسة في الشركات المذكورة زهاء 4 ملايين شيكل، أي ما يعادل 337 ألف شيكل شهريا.
- الفجوات بين كبار المديرين وسائر العاملين في سوق العمل لا تزال كبيرة جدا. متوسط دخل المديرين العامين بلغ عام 2015 زهاء 44 ضعف متوسط الأجر في سوق العمل (9,592 شيكل، للعاملين الإسرائيليين فقط) وزهاء 91 ضعف الحد الأدنى للأجور في السنة ذاتها (4,650 شيكل).
- تتوزّع الأجور على نحو غير متكافئ، ليس فقط بين الجندرَين، بل كذلك بين المجموعات السكانية المختلفة، على النحو التالي (معطيات 2015):
- أجر الأجيرين الأشكناز، مواليد البلاد، تجاوَز متوسط الأجر بمعدّل 31%؛
- أجر الأجيرين الشرقيين، مواليد البلاد، تجاوز متوسط الأجر بمعدّل 14%؛
- أجر الأجيرين أبناء مواليد دول الاتحاد السوفييتي سابقا عادَلَ متوسط الأجر (تجاوزه ب-1%)؛
- أجر الأجيرين العرب بلغ حوالي ثلثَي متوسط الأجر؛
- أجر الأجيرين من الأصول الإثيوبية (القادمين من إثيوبيا ومواليد إسرائيل لأهل من مواليد إثيوبيا) عادل نصف متوسط الأجر.
نسبة غير العاملين في إسرائيل في تشرين الثاني 2016 كانت منخفضة – 4.6%، بيد أن:
- النسبة القطرية هذه تُخفي فجوات كبرى بين التجمّعات السكانية والمجموعات السكانية: يُظهِر تحليل البيانات طبقا للتجمعات السكانية أن المدن والقرى العربية تتصدّر قائمة البطالة، وفي مقدمتها البلدات البدوية في جنوب البلاد. ففي رهط، المدينة البدوية الكبرى، بلغت نسبة الباحثين عن عمل في تشرين الثاني 2016 زهاء 14.4%. وقد سُجِّلَت نسبة مشابهة في عدد من البلدات العربية الكبيرة في شمال البلاد، منها المغار (14.8%)، سخنين (14.7%) وأم الفحم (14.6%). أما في غالبية التجمعات السكانية اليهودية فقد كان معدل البطالة دون نسبة ال-5%، فيما سجّلت بعض مدن التطوير نسبًا أعلى بكثير، كمِتْسبيه رَمون (9.5%)، ديمونه (9.3%) ويروحَم (8.6%).
- التعليم: نسبة الطلاب الجامعيين في التجمعات السكانية الميسورة تبلغ ضعفها في تجمّعات الأطراف
ولوج قطاعات العمل ذات مستويات الأجر الأعلى مرهونٌ عادة بالتعليم العالي.
- بالحديث عن سنة 2015، 29.3% فقط من الشباب الذين كانوا عامَ 2007 في سن ال-17 بدأوا يتعلّمون حتى 2015 في مؤسسة إسرائيلية للتعليم العالي. نسبة الشباب اليهود الذين التحقوا بمعاهد التعليم هي ضعفها بين الشباب العربي.
- في سنة التدريس 2014/15، بلغت نسبة الملتحقين بالجامعات والكليات الأكاديمية الإسرائيلية من الفئة العمرية 20-29 زهاء 14.0%. توزُّعُ هؤلاء وفقا للتجمعات السكانية كان شديد التباين: ففي التجمعات الميسورة بلغت النسبة 21.5%؛ وفي مدن التطوير 12.6%، بينما بلغت في المدن والقرى العربية نسبة 9.1%.
- العامل الأساسي الذي يساق لتفسير النسبة المنخفضة للواصلين إلى التعليم العالي هو النسبة المنخفضة للشباب الذين يحصلون على شهادة البجروت. عامَ 2013 تجاوزت نسبة مستحقّي البجروت للمرة الأولى مستوى ال-50%، ووصلت عام 2015 إلى 56%، الأمر الذي يعني أن 44% من الشباب بلغوا سن ال-17 ولم يحصلوا على شهادة البجروت.
- نسبة التلاميذ اليهود الذين أنهوا الثانوية عامَ 2007 بالمسار النظري والتحقوا بالتعليم العالي حتى 2015 بلغت 40.7% وهي أعلى من نسبة خرّيجي المسار المهني – 32.8%.
- 77% من مدارس مدن التطوير ليست مُلْكًا للسلطات المحلية. في غالبية التجمّعات السكانية الميسورة التي تعمل فيها مدارس مهنية، تقع تلك المدارس في الأحياء “الجنوبية”.
- الصحّة: اليهود يعمّرون 3 سنوات أكثر من العرب
تتجلّى الفجوات الاجتماعية كذلك في المستوى الصحّي. يعكس المستوى الصحي جودةَ الحياة، وبصورة عامة أكثر – الفجواتِ الطبقيةَ العامة: جودة التغذية، جودة البيئة، جودة السكن، مستوى الوعي للمخاطر الصحيّة، نوعيّة العمل، البعد عن مراكز الخدمات الطبيّة، وغير ذلك. يظهر البون في جودة الحياة في مؤشّرَين اثنين رئيسيَين يُعتمدان في كافة أنحاء العالم للدلالة على الفجوات في المستوى الصحي: معدّل وفيّات الأطفال ومتوسط العمر المتوقَّع.
- بلغ معدل وفيات الأطفال في إسرائيل عام 2014 زهاء 3.1، ما وضعها في المرتبة ال-15 بين بلدان منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD). شهدت النسبة المذكورة انخفاضا شديدا منذ 1970، سواء بين اليهود أم العرب. مع ذلك، يبلغ معدل وفيات الأطفال العرب اليوم (2010-2014) 4 وهو يزيد عن نظيره وسط الأطفال اليهود ب-2.6 ضعف.
- كذلك هو الأمر في معدل متوسط العمر المتوقَّع لدى الولادة، وهو عالٍ نسبيًّا في إسرائيل: ففي 2014 بلغ متوسط عمر الرجال في إسرائيل 80.3 سنة، ما وضعها في المكان السادس بين مجمل بلدان ال-OECD. بلغ معدل متوسط عمر النساء في السنة عينها 84.1، أي أنه أكبر منه بين الرجال. مع ذلك، فإن هذه النسبة تضع إسرائيل في المرتبة ال-12 من بين مجمل بلدان منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية. يشهد متوسط العمر المتوقَّع العام في إسرائيل ارتفاعًا ثابتا. مع ذلك، فإن متوسط العمر المتوقَّع بين الرجال اليهود – 80.9 – يزيد عن نظيره بين الرجال العرب – 76.9. بالحديث عن النساء، يبلغ متوسط العمر المتوقع بين النساء اليهوديات 84.5 وهو بدوره يزيد عن نظيره بين النساء العربيات – 81.1.